الادب العربي هو ثقافة الامة العربية وحضارتها، بداية بتاريخها الادبي العريق الذي يشهد لها بذلك وانتهاءا بما وصل له الادب من تطور حتى اليوم، فمنه انبثق فن الشعر والرواية والخاطرة. لكن في الآونة الاخيرة بدأنا نلاحظ عدم اهتمام الشباب بالادب العربي، وذلك بسبب دخول الانترنت على الساحة بشكل كبير جدا، وبسبب قضاء وقت فراغهم في هوايات مختلفة متخلفين عن الكتاب الذي كان المنبع الاساسي للمعرفة والادب لدى الاجداد.
ولهذا فقد قمت باجراء مقابلة مع الدكتور علي عمران دكتور اللغة العربية و الثقافة العامة في الجامعة الاهلية للتحدث حول هذا الموضوع، نظرا لما لديه من خبرة واسعة في مجال الادب والشعر ولما لديه من منطق جميل في الحديث. وقد تمت المقابلة في مكتب الدكتور علي بالجامعة الاهلية وطرحت عليه عدة اسئلة حول الادب بما كان عليه قديما وما هو عليه حديثا وحول تأثير وسائل الاعلام عليه، ودار بيننا الحوار التالي.
الرسالة الشفوية اوصلت الادب الينا
· بداية لم يكن العرب يدونون الادب في عصر ما قبل الاسلام. فكيف انتشر الادب فيما بينهم؟
فاجاب بهدوء قائلا "طبعا كان الادب العربي مفتتحه ادبا شفويا، فكان ينتقل من الشفاه الى الصدر فحفظ الادب من خلال هذه الرسالة الشفوية، بمعنى آخر ان الادب انتقل الينا من صدور الرجال ومن محفوظاتهم، فلم تكن الاشياء مدونة وجاءتنا جاهزة هكذا، وانما اخذناها من خلال ما نقل الينا من ما يسمى بالرسالة الشفوية او الادب الشفوي".
· وما هو الأسلوب اللغوي المستخدم في هذا الأدب ؟
فعقب قائلا "طبعا اللغة كانت هي اللغة الفصحى، يولد المرء وهو مالك للغته، فيتحدث اللغة العربية الفصحى منذ الصغر"
· ..كان العرب في السابق يهتمون بالشعر والأدب حتى قيل أن الشعر ديوان العرب فما أسباب ذلك؟
اشار باصبعه السبابة ومن ثم اجاب "الاسباب ممكن نرجعها الى سبب واحد، لحبهم وعشقهم الى الشعر وروايته وحفظه فقد حفظوا في هذا الشعر كل ما يحتاجونه في الحياة من حكمة ومن اسماء الى اماكنهم ومن اسماء الى نساءهم ومن اسماء الى شجعانهم وفرسانهم، ولذلك هذا الشعر سمي ديوان العرب لانه حوى كل ما يملكه العربي"
· في عصرنا الحالي تنوع الأدب بشكل كبير. فبداية ما هو الأسلوب اللغوي المستخدم في الأدب الحديث؟..
التقط نفسا عميقا وقال "الادب الحديث اخذ اساليب متنوعة في الادب، فجينا جنس ادبي مختص بالرواية او جنس ادبي مختص بالقصة او مختص بالخاطرة، فكل جنس ادبي له اسلوبه وطابعه الخاص، فالادب الحديث تابع لاجناس متعددة، كل جنس يحمل اسلوبا خاصا به، فالقصة والرواية تأخذ الاسلوب السردي، اما الشعر فشعر النثر وشعر التفعيلة فانه يأخذ اسلوب الشاعرية والشعر"
البعد عن القرآن الكريم سبب لانخفاض المستوى اللغوي
· ما أسباب انخفاض المستوي اللغوي لدي الشباب في هذه الآونة ؟
قال مجيبا "في تصوري الشخصي ان اسباب انخفاض اللغة عند الشباب في هذه الآونة هو بعدهم عن القرآن الكريم، فلما ابتعدوا وهم صغارا عن القرآن غابت اللغة في السنتهم، فالقرآن ينمي هذا اللسان ويبعده عن جو اللحن والوقوع فيه واللحن هو الخطأ، وينمي القدرات ويحفظ صميم ما في هذه اللغة، فعندما ابتعدوا عن القرآن وحفظه وتدريسه ومطالعته والتأمل فيه، عادت اللغة ضعيفة على السنتهم".
· من المسئول عن هذا الانخفاض وكيف يتم رفع هذا المستوي اللغوي لديهم؟
اجاب بهدوء قائلا "تقع المسؤولية على ذلك على عاتق الابوين في ذلك فهذا الانخفاض الذي نلاحظه ، نجد ان الابوين لم يقدما الزاد اللغوي والمعرفي لابنائهم لكي يرتقوا، فمنذ نعومة اضفارهم يجب ان يتعلموا ويتدارسوا القرآن والحديث ويبدؤون في حفظه ، فكلما حفظنا من هذه الامور وحفظنا الشعر والقصائد نمت اللغة ، قرآن وادب وشعر وبعد ذلك يصبح الانسان في مستوى من اللغة يؤهله لان ينتقد ويناقش و يصحح هذا اللسان العربي الملئ بالكثير من الاخطاء."
· هل تتوقع اندثار الأدب بمفهومه الحالي وظهور أشكال جديدة له تتسق مع معطيات العصر الحديث؟
هز رأسه نفيا ومن ثم قال "انا لا اتوقع ان هذا الادب الذي بين ايدينا يندثر يوما ما، لكنني اتوقع ان تكون هناك آداب حديثة في الادب الحديث، العصر الحديث ولد عندنا الخاطرة وهي جنس ادبي راقي بدأ الشباب يكتب فيه ومن قبل كانت الرواية والمسرحية وكلما امتد بنا الزمان نرى ان هناك اجناسا ادبية تتوالد في ذلك وهي تنظر الى هذا الزمن الذي يسير بسرعة كبيرة جدا فتولد ادبا يوافق العصر الذي نعيش فيه"
· هناك ألفاظ أجنبية قد اخترقت ثقافتنا ، فهل تتوقع ان تخترق مثل هذه الألفاظ الأدب العربي مثلما اخترقت الخطاب اليومي للمواطن العادي؟
ابتسم مجيبا "اللغة تتطور وتستقبل في كل يوم الفاظا جديدة وتدخل هذه اللغة برقة وتتسلسل وتتطور وان هذه اللغة تطوع كل ما هو اجنبي في ساحتها فنراه عربيا".
· إلى أي مدى يمكن أن يؤثر دخول مثل هذه الألفاظ على الأدب مستقبلا؟..
عقب قائلا "اللغة العربية هي لغة ثرية جدا وهذه الالفاظ يمكن ان تدخل لكن لا يكون لها الطغيان، لان اللغة قد حفظها لنا الاباء والاجداد والقرآن الكريم حفظه لنا الله سبحانه وتعالى، فبالتالي التأثير يكون بسيطا من حيث الحديث وما شاكل ذلك، لكن كل من يتحدث العربية يجد فيها طاقة لا حدود لها."
· هل يمكن أن يسهم الانترنت في سرعة انتشار الأدباء والشعراء الجدد وتحقيق المزيد من الانتشار للقدامى لاسيما أنها تقدم بديلا للأساليب التقليدية في النشر وتحكم الناشرين في الأدباء والشعراء والنيل من حقوقهم المالية والأدبية لأعمالهم الإبداعية.؟
صمت قليلا ومن ثم اجاب "القضية الاولى هي قضية الانتشار، هي الابحار عبر الانترنت، اليوم الانترنت بالفعل هو رحلة بالمفهوم الحديث ، فيمكن ان نحد شعراء يتتلمذون على هذا الانترنت ويتعلمون منه ،ولا ضير في ذلك ان نجد مبدعين حقيقيين وهم قد ابحروا في الانترنت وتعلموا الادب وتثقفوا من خلاله. اما بالنسبة الى السرقات من يحددها ، السرقات يحددها من هم اولوا انفسهم في النقد وتعلو، فبمجرد النظر الى القصيدة نعرف انها مأخوذة من هنا او هناك، وهؤلاء الشباب حينما يأخذون ذلك عليهم ان يضعون التنصيص حتى لا يكون هناك سرقة".
· هل يمكن أن تؤثر ظاهرة التفاعل بين الأديب وجمهوره عبر الانترنت إلي المزيد من اهتمام هؤلاء الأدباء بمشكلات المواطن الحياتية واليومية؟
اومأ برأسه وقال مجيبا "نعم يمكن ان تؤثر ظاهرة التفاعل بين الاديب وجمهوره، عندما يكون الانترنت حاضرا بقضاياه وبمشاكله وادبياته التي تؤثر في تصوري هذه الظاهرة على التفاعل بالجمهور، فيستمع الى قصيدة ما والى آراء الجمهور".
الانترنت ليس بديلا للكتاب
· سيطرت بعض المواقع الخاصة بالدواوين الشعرية والنثر كالقصص والروايات على الشبكة، فهل هذا يعد بديلا لكتب الدواوين الشعرية والروايات التقليديه؟ فاجاب د. علي قائلا بابتسامة"لا اجد ذلك ، كلا لان اليوم وان كانت الرحلة عبر الانترنت لا غنى عن الكتاب في ان يكون رفيقا لك ، وانت حين تفتح الكتاب غير ان تفتح الانترنت فالكتاب يظل عزيزا ورفيقا لهذا الانسان وكأن الكتب هي ابناءه التي انجبها فلا يمكنه ان يتخلى عنها، فالكتب لا يمكن ان يحل محلها الانترنت، يبقى الكتاب هو الجوهر وما دونه كلها اعراض".
· انتشر الهواة من الشعراء ومؤلفي الروايات على مدى كبير في الشبكة العنكبوتية. فهل يمكن أن نطلق مسمى شاعر وكاتب على هؤلاء؟
صمت لثواني ثم اجاب قائلا "نعم ممكن ان نطلق على هؤلاء الهواه اذا حسن شعرهم وحسنت رواياتهم مسمى شاعر وكاتب اذا اجاد فنيات القول واحكم ما يمكن من موازين الشعر وفنيات الرواية "
· .هل يمكن ان تولد المجتمعات المتعددة الثقافة عبر الانترنت شكلا جديدا من أشكال الأدب يتأثر بالاندماج الثقافي داخل هذه المجتمعات؟
قال بهدوء"نعم يمكن ان تولد هذه المجتمعات المتعددة لون من الثقافة عبر الانترنت، وشكل جديد من اشكال الادب، لانه سيتم الاندماج الثقافي في هذه المجتمعات".
· هل يمكن ان تشكل الانترنت نواه لانتشار الادب العربي عالميا الامر الذي يسهم في ايجاد مايعرف بالاتصال الحضاري وامتزاج الثقافات؟
اجاب د. علي "نعم بشكل كبير يمكن ان يسهم الانترنت في انتشار ادبنا العربي عبر العالم كل العالم ويؤدي الى الاتصال الحضاري وتمتزج الثقافات ويعرف بعضنا بعضا"
· أخيرا، كيف يمكن إن يؤثر انتشار الشعراء والمؤلفين عبر العالم الافتراضي، على المؤلفين والشعراء في هذا المجتمع؟..
صمت مفكرا ومن ثم اجاب "يمكن ان يؤثر انتشار الشعراء والمؤلفين عبر الانترنت ، لكن يبقى جو التأليف وجو الشعراء في المجتمع يأخذ حيزا لا بأس به، لكن هذا احتمال وارد".